من عظماء الإسلام: قـادة وأمـراء يمانيــون فاتحـــون
الحاجب المنصور أبو عامر محمد بن أبي عامر (327هـ/ 938م - 27 رمضان 392هـ/ 8 أغسطس 1002م) حاجب الخلافة والحاكم الفعلي للخلافة الأموية في الأندلس في عهد الخليفة هشام المؤيد بالله. بدأ حياته السياسية وتدرج في المناصب منذ عهد الخليفة الحكم المستنصر بالله، وكان على علاقة وطيدة بزوجة الخليفة صبح البشكنجية أم الخليفة هشام المؤيد بالله، والتي كانت وصية على عرش ولدها بعد وفاة زوجها الحكم. عاونت صبح الحاجب المنصور على إقصاء جميع منافسيه، وهو وما أحسن استغلاله لأبعد مدى، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بأن حجر على الخليفة الصبي، وقيّد سلطته هو وأمه. وبتمكن الحاجب المنصور من مقاليد الحكم التفت إلى توسع الدولة شمالاً، فحرّك بحملاته العسكرية حدود الممالك المسيحية في الشمال إلى ما وراء نهر دويرة، فبلغت الدولة الأموية في الأندلس أوج قوتها في عهده.
أرسى المنصور القواعد لحكم أسرته من بعده، إلا أن الأمر لم يستمر طويلاً حيث انتهت سيطرتهم على حكم الأندلس بعد أقل من عقد من الزمن على وفاته، بعد أن ساد الأندلس فترة من الاضطرابات التي نتجت من التصارع على الخلافة.
* * *
▪ *نشــــــأته:*
ولد أبو عامر محمد بن أبي حفص عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري. عام 327هـ في الجزيرة الخضراء في بيت من أعيان تلك المدينة. كان أبوه عبد الله من طلاب العلم المعروفين، وقد مات في رحلة عودته من الحج ودفن في طرابلس. أمه هي بُريهة بنت يحيى بن زكرياء التميمي من أهل بيت من أشراف قرطبة يسمون ببني برطال. جده لأمه يحيى بن إسحاق وزير وطبيب الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله. وجده عبد الملك المعافري كان من الداخلين للأندلس مع طارق بن زياد.
قدم محمد بن أبي عامر إلى قرطبة شابًا لطلب العلم والأدب والحديث، فدرس الأدب على يدي أبي علي البغدادي وأبي بكر بن القوطية، والحديث على يدي أبي بكر بن معاوية القرشي راوي النسائي. ثم بدأ حياته بأن افتتح دكانًا أمام قصر الخليفة يكتب فيه الرسائل والعرائض لأصحاب المصالح، فلفت نظر من في القصر بأسلوب كتابته وبجزالة عباراته.
* * *
▪ *شــــــخصيته:*
وصفه ابن الأثير قائلاً: «وكان شجاعًا، قوي النفس، حسن التدبير، وكان محبًا للعلماء، يُكثر مجالستهم ويناظرهم، وقد أكثر العلماء ذكر مناقبه، وصنّفوا لها تصانيف كثيرة». وقال عنه ابن خلدون:«وكان ذا عقل ورأي وشجاعة، وبصر بالحروب، ودين متين». وقال عنه ابن الخطيب: «وكان مهيبًا وقورًا، فإذا خلا كان أحسن الناس مجلسًا، وأبرّهم بمن يحضر منادمًا ومؤانسًا. وكان شديد القلق من التبسط عليه، والدالة والامتنان، لا يغفرها زلة، ولا يحلم عنها جريرة، ولم يكن يسامح في نقصان الهيبة، وحفظ الطاعة أحدًا من ولدٍ ولا ذي خاصة». كما نقل محمد عبد الله عنان في كتابه "دولة الإسلام في الأندلس" عن المؤرخ الإسباني مننديث بيدال تعليقه على عصر المنصور قائلاً: «عاش الإسلام في إسبانيا أروع أيامه وأسطعها، وانتهى مسيحيي الشمال إلى حالة دفاع كانت دائمًا مقرونة بالمحن، ولاح كأنهم لم يعيشوا إلا لتأدية الجزية والسلاح والأسرى والمجد للخلافة الأموية». كذلك عُرف عنه كرمه وكثرة إنفاقه، فكانت مائدته منصوبة دومًا لمن يزور داره.
مع ما كان عليه من الهيبة والرهبة، فقد كان له حلم واحتمال. ويروى أنه خطّ بيده مصحفًا كان يحمل معه في أسفاره ويتبرك به، كما كان يجمع ما علق بوجهه من غبار معاركه حتى تجمّعت له صُرة كبيرة أوصى أن تُدفن معه عند موته. اتصف المنصور أيضًا بالعدل حتى على أقرب الناس إليه. وكان يُكنّ حبًا واحترامًا للعلماء والأدباء، فكان مجلسه دائمًا بأهل العلم والأدب والشعر، كما كانت له هباته للأدباء والشعراء على ما يبدعونه، ولعل أشهرها إجازته لصاعد البغدادي بخمسة آلاف دينار عن كتابه "الفصوص في الآداب والأشعار والأخبار"، وأمره له بأن يقرأه على الناس في مسجد الزاهرة. إلا أنه كان شديدًا على من يشتغل بالفلسفة أو الجدال أو التكلم في النجوم أو الاستخفاف بشيء من أمور الشريعة، بل وحرق ما كان في مكتبة الحكم من كتب الدهرية والفلاسفة.
وقد روى ابن عذاري عن نجدته للمسلمين أنه بلغه وجود أسيرات مسلمات لدى غارسيا سانشيز الثاني ملك نافارا رغم أنه كانت بينهما معاهدة تنص على ألا يستبقي غارسيا لدية أسرى من المسلمين، فأقسم أن يجتاح أرضه لنكثه بالعهد، ولما خرج المنصور بجيشه، وبلغ غارسيا خروجه. أسرعت رسل غارسيا تستفسر عن سبب الغزو، فأعلموهم بخبر الأسيرات المسلمات، فردّهن غارسيا معتذرًا بعدم علمه بهن، وبأنه هدم الكنيسة التي كانت تحتجزهن كاعتذار منه على ذلك، فقبل منه المنصور ذلك وعاد بالأسيرات.
وللمنصور شعر جيد، منه ما قاله مفاخرًا:
رميت بنفسي هول كل عظيمــة
وخاطرت والحر الكريم يٌخاطـــر
وما صاحبي إلا جنـــــان مشيع
وأســـمر خطّـــيّ وأبيض باتر
وإني لزجّاء الجيوش إلى الوغى
أسودٌ تلاقيهـــا أسود خـــوادر
فسُدت بنفسي أهل كل سيادة
وفاخرت حتى لم أجد من أفاخر
وما شدت بنيـــــانًا ولكن زيادة
على ما بنى عبد المليك وعامــر
رفعنا العوالي بالعوالي مثلهـــا
وأورثناها في القديم معافـــــر
* * *
▪ *من أعمــــــاله:*
في عام 368هـ، وفي إطار سعيه في استكمال استقلاليته في حكم الأندلس، بدأ الحاجب المنصور في بناء مدينته الزاهرة والتي نقل إليها دواوين الحكم وبنى فيها قصرًا لإقامته، بالغ في فخمته حتى كان استهلاك قصره يوميًا 12,000 رطل من اللحم غير الطيور والأسماك، وقد استغرق بناء المدينة نحو عامين. وفي عام 370هـ، انتقل إليها المنصور هو وخاصته ومن ثمّ العامة، وشحنها بالأسلحة، وأقطع ما حولها للوزراء والقادة وكبار رجال الدولة حتى اتصل عمرانها بأرباض قرطبة، وعمّتها الحركة وانتشرت بها الأسواق. كما أرسل إلى العمال في الأندلس والمغرب بحمل أموال الجباية إليها.
وفي عام 377هـ، أضاف الحاجب المنصور توسعة جديدة في شرقي المسجد الجامع بقرطبة، حتى بلغت أعمدة المسجد 1417 سارية، كما زاد من إنارته بإضافة الإنارة بالشمع مع ما كان عليه من الإنارة بالزيت، وقد حرص على أن يعوّض من تُؤخذ داره لتوسعة المسجد بأضعاف ما يطلب من المال، وإن بالغ في ذلك. فيُروى أن امرأة كانت تسكن في بيت فيه نخلة بجوار المسجد دخل في نطاق التوسعة الجديدة، قد أبت صاحبته أن تبيعه إلاَّ إذا جُعل له منزل آخر فيه نخلة كالذي تملكه، فأمر المنصور بشراء بيت لها فيه نخلة كما أرادت، حتى ولو أتى ذلك على بيت المال، ثم أضاف بيتها إلى حدود المسجد. وفي عام 387هـ، بدأ في تجديد قنطرة قرطبة، وانتهى منها في عام 389هـ، وأنفق عليها 140,000 دينار، كما أضاف قنطرة أخرى على نهر شنيل. كما اتسعت قرطبة في عهده حيث قدّر إحصاء دواوين دولته عدد دور قرطبة وأرباضها في عهده 213,077 دار للعامة، و 60,300 دار للأكابر والوزراء والكتاّب والقادة والحاشية، إضافة إلى 80,455 حانوت.
* * *
▪ *الجيـــــش:*
اهتم المنصور بالجيش، وبالغ في الاعتماد على البربر ومرتزقة الإسبان النصارى فيه، حتى بلغ عدد الفرسان البربر القادمين من المغرب في حرس الديوان 3,000 فارس إضافة إلى 2,000 من العبيد السود. كما وصل جملة الفرسان المرتزقة وقت السلم 12,100 فارس، إضافة إلى حرسه الخاص الذين بلغوا 600 رجل، وجنده المشاة الذين كانوا ينتظمون في حملاته والذين بلغ عددهم 26,000 جندي، وفي وقت الحملات العسكرية، يزيد الفرسان حتى بلغوا أحيانًا 46,000 فارس والمشاة إلى 100,000 رجل. مما دعاه في آخر عهده للاستغناء عن التجنيد الإجباري في حملاته، والاكتفاء على الجنود النظاميين. هذا غير 4,000 جمل يستخدمها الجيش في حمل العتاد والمؤن في الحملات العسكرية، كما اهتم بالأسطول فأمر بإنشاء دار جديدة لصناعة السفن في قصر أبي دانس.
اهتم المنصور أيضًا بتوفير مستلزمات جيشه، فأنشأ دور للصناعات الحربية التي تُمدّ جيشه بالسلاح والتي تعمل على مدار العام، فكانت دار الترّاسين تنتج 13,000 ترس و 12,000 قوس و 20,000 من النبل، و 3,000 خباء كل عام. كما بلغ استهلاك خيله نحو ألف مُدّ من الشعير كل عام.
* * *
▪ *الاقتصـــاد والأمـــن:*
نجح المنصور في إدارة شئون البلاد الاقتصادية، وشهدت البلاد في عهده رواجًا اقتصاديًا وزاد دخل الدولة حتى بلغت الضرائب العادية في أواخر عصره 4,000,000 دينار، بل وبلغت جباية قرطبة في عهده 3,000,000 دينار. إضافة إلى رسوم المواريث وأموال السبي والغنائم. وقد أدت حالة الرواج الاقتصادي تلك، التي نتجت عن الغنائم والسبي إلى عزوف شباب الأندلس عن الزواج من الأندلسيات، لرخص ثمن الأسيرات من بنات الإفرنج. كما بلغ إجمالي الإنفاق العام للدولة نحو 3,500,000 دينار. وبلغ إنفاق المنصور الشهري وحده على قصوره وقصور الخلافة 200,000 دينار، تزداد في وقت الحملات إلى 500,000 دينار في الشهر.
أما عن الحالة الأمنية، فقد استطاع المنصور أن يضبط أحوال البلاد الأمنية منذ بداية عهده بعدما ولاّه الخليفة على حاكمية قرطبة بعد عزل محمد بن الحاجب المصحفي، فأوكلها ابن أبي عامر إلى ابن عمه عمرو بن عبد الله بن أبي عامر الشهير بعسكلاجة، الذي أنهى حالة الانفلات الأمني التي سادت بداية خلافة الخليفة هشام المؤيد بالله، كما كان لميكافيليته من استخدام كل الوسائل المتاحة لكي يتمكن من السيطرة على السلطة، بما في ذلك سلاح الغدر والاغتيال وإزهاق الأرواح دون تردد أثره في اختفاء التمردات الداخلية في الأندلس طوال عهده تقريبًا.
* * *
▪ *علاقاتـــه الدبلوماسية:*
لم يشهد عهد الحاجب المنصور نفس الزخم الذي ساد الحياة الدبلوماسية في عهد الخليفتين عبد الرحمن الناصر لدين الله والحكم المستنصر بالله، فلم تزد الزيارات الدبلوماسية إلى بلاطه عن زيارة من قبل برمودو الثاني ملك ليون عام 375هـ، طلبًا لمعاونة المنصور لبرمودو في مقاومته لتمردات نبلاء مملكته الخارجين عليه، وقد أجابه المنصور لذلك. ونتج عن تلك الزيارة مصاهرة بزواج المنصور من تريسا ابنة برمودو لتوثيق أصر الصداقة بين الرجلين. وبعد هزائمه المتوالية أمام المنصور، اضطر سانشو الثاني ملك نافارا لطلب الصلح وزار بنفسه قرطبة في عدد من كبار رجال دولته في 3 رجب عام 382هـ.
* * *
▪ *وفاتــــــه:*
توفي الحاجب المنصور في 27 رمضان 392هـ في مدينة سالم وهو عائد من إحدى غزواته على برغش، التي أصيب فيها بجروح، وكان قد أوصى بأن يدفن حيث مات، كان يشتكي علة النقرس. وقد ترك المنصور من الولد اثنين عبد الملك وعبد الرحمن، غير ابنه عبد الله الذي قتله عام 380هـ. وقد ذكر لنا المؤرخون أربع من زوجاته على الأقل، وهم أسماء بنت غالب الناصري، والذلفاء أم ولده عبد الملك وتريسا ابنة برمودو الثاني ملك ليون، وأوراكا ابنة سانشو الثاني ملك نافارا التي تزوجها عام 371هـ، وأسلمت وسمّاها المنصور "عبدة" وهي أم ولده عبد الرحمن. وقد ترك المنصور من المال 54 بيتًا في مدينته الزاهرة، وقد بلغت غزواته التي غزاها بنفسه 57 غزوة، لم يهزم في أحدها قط.
وقد وضعت على قبره رخامة نُقِش عليها الأبيات التالية:
آثاره تنبيك عن أخبــــــاره
حتى كأنك بالعيـــــان تراه
تالله لا يأتي الزمان بمثلــه
أبدًا ولا يحمي الثغور سواه
وقد خلفه في مناصبه ولده عبد الملك الذي سار على نهج أبيه إلى أن توفي عام 399هـ، فخلفه أخاه عبد الرحمن الذي لم تدم فترته طويلاً حيث دخلت الأندلس في عهده في فترة من الاضطرابات بدأت بمقتله، واستمرت لأعوام وانتهت بسقوط الدولة الأموية في الأندلس وقيام ممالك الطوائف.
رضي الله عنه وأرضاه.. وجزاه عن الإسلام خير الجزاء
ابوعامر المنصوري
حيدره او الحيدري... بهلول... وعيدروس... والواصل
ردحذفمن العوائل الهاشمية في الجراحي
موزعون في الجراحي وشرقها وشرق زبيد
حيدره او الحيدري... بهلول... وعيدروس... والواصل
ردحذفمن العوائل الهاشمية في الجراحي
موزعون في الجراحي وشرقها وشرق زبيد
الساده ال الحمودي من بني هشام ويسكنون حضرموت وخصيصن في السهل والباديه
ردحذفوفي السهب والباديه
ردحذف